الاثنين، 28 سبتمبر 2020

(ظنون)...بقلم الأستاذ المبدع / ..سيد طه.



(ظنون)
استلم مفاتيح ورخصة القيادة من زميله سائق وردية الليل،مع بزوغ الشمس انطلقت السيارة في خط سيرها،تجوب شوارع العاصمة ذهابا وإيابا.
أشار إليها رجل خمسيني العمر، تغطي إحدى عينيه قطعة شاش مستديرة؛ويمسك بأوراق فحوصات طبية وأشعة،جلس في المقعد الذي يلي مقعد السائق،نظر إلى المرآة التي تتوسط كابينة القيادة،لاحظ احمرار عيني السائق وانسياب دموعهما؛جرّاء الهواء البارد الذي يلفحهما،حدث نفسه قائلا: سيعاني هذا المسكين مما أعاني.أقبلت شمس الضحى،فطارد دفؤها البرد والسقيع اللذان ينملان الأطراف،توقفت السيارة،نزل الرجل الخمسيني،جلس مكانه سباكا يحمل صندوقا مستطيلا أسنده على ركبتيه،ووضع كفيه على جانبي رأسه،وكوعيه على الصندوق ثم شرد مع الصمت،بعد حين رفع بصره فنظر أمامه إلى المرآة،لاحظ الشرود والحزن يتغشيان وجه السائق؛فتمتم قائلا :
أثقلت هموم المعيشة وجوه البشر.هدّأت السيارة من سرعتها ثم توقفت أمام كمين متحرك؛تقدم صوبها ضابط مرور برتبة نقيب،طلب من السائق رخصة القيادة؛وبينما يراجع الضابط البيانات قال:
-تاريخ الرخصة يدل على أنك جديد في المهنة.
ضحك قائلا: 
= مهنة السواقة لا تحتاج إلى وساطة ومحسوبية.
- ما هو مؤهلك الدراسي؟.
= (بكلريوس) علوم قسم كيمياء خاصة.
نظرفي وجهه لحظات،فابتسم مطبقا على شفتيه،ثم أومأ إليه بالعبور،بعد دقائق توقفت السيارة،نزل منها السّباك وركب مكانه شابا أنيقا؛أنهى للتو مقابلة لاختيار محاسبين لأحد البنوك الحكومية،يرتدي بدلة ورابطة عنق،ويمسك بيده ظرفا كبيرا مملوءا بشهادات مؤهلاته الدراسية،ما إن تحركت السيارة حتى بدأ بالتأفف والهمس بعبارات الاستغفار،نظر إلى المرآة فشرد في ملامح السائق،ثم حدّث نفسه قائلا: 
هل سينتهي بي المطاف بالجلوس أمام عجلة قيادة سيارة (ميكروباص)؟.
بعد العصر بساعة،شاكست أشعة الشمس المائلة صوب الغروب عيني السائق،فارتدى نظارة سوداء،توقفت السيارة؛ نزل الشاب الأنيق،ركبت مكانه فتاة ترتدي(بلوزة) ضيقة وبنطالا أضيق،تحركت السيارةفأخرجت من حقيبة يدها،نظارة شمس غطت بها عينيها،نظرت صوب المرآة فابتسمت وهمست إلى نفسها قائلة: 
هذا الوسيم يرتدي النظارة لتتحرش عيناه بمفاتن الفتيات.
سيد طه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق