(فنتازيا الأفكار)
منذ يومين،قلمه ومفكرته- اللذان يصطاد بها الأفكار-في يده تارة وفي جيبه تارة؛قائم نائم بهما.
ظل طيلة نهاره يحدو وراء ذهنه،يستجديه في فكرة لكن دون فائدة،أقبل المساء وهو جالس في غرفته،يمناه تمسك بالقلم،وكفه الأيسر معقوف على جبينه.
مع انتصاف الليل بلغ يأسه منتهاه،تسكع صوب مهاده،وفي محاولةٍ أخيرة،استنشق نفسا عميقا،حتى لامس صدره ذقنه،فسحب كل جزئيات أكسجين الغرفة،وصل إلى درجة من الاسترخاء،جلبت النُعاس يركض نحو جفنيه، أخرج من جيب عباءة نومه؛القلم والمفكرة وحافظة النقود، وضعهم تحت الوسادة،ثم غرق في النوم.
رأى أباه المتوفّى مرتديا زِيّا فرعونيا،ويمسك بيده فأسا يعزق بها في حقلٍ بجوار النهر،
تقدَّم صوبه يحمل صرة الطعام،قال الأب ممتعضا:
-دائما تتأخر،لقد أوشك الجوع أن يصرعني.
ردَّ قائلا:
=معذرةً أبي.
أمسك الفأس من أبيه،ثم سأله:
=في أي الأزمان نحن يا أبتِ؟.
-في عصر فرعون.
=الطاغية الأعظم!.
-أجل؛هو بعينه.
=ولماذا لاترتدي جلبابَك البلدي؟.
احتد قائلا:
-أولا؛الفكرة فكرتُكَ،والحُلم حُلمك،فأنت من استدعيتني وألبستني؛ثانيا لن يفرق كثيرا إن كان لباسا فرعونيا أم رومانيا أم مملوكيا أم عثمانيا أوحتى عسكريا فكلهم سواء.
فجأة انفلت صراخ وعويل عمَّ جميع الارجاء،وأقبل من جميع الانحاء، فقال:
=لماذا الصراخ ياأبتِ؟.
-إنها المراسم الجنائزية لدفن فرعون.
=وهل كان الطاغيةرحيما بهم،أم كان جورُه مُنصَبّا فقط على بني إسرائيل.
-الطاغية لايميز في الظلم، فطالما وجد أعناقا منحنية أمامه؛يثنيها حتى الكسر.
=إذن لماذا يصرخون؟.
-ليس بخطرهم يا بني؛إنهم يصرخون مكرهين.
-ومَنْ أكرههم؟.
=الكهنةوقادة الجيش.
-مساكين؛لوتكاتفوا جميعا لتخلصوا من هذا الجور.
=أتدري؛حتى لو نجا فرعون من الغرق،وتمكَّن من بني إسرائيل وأعادهم إلى قبضته،وعاش حينا ثم مات،كنتَ ستراهم في مثل هذا المشهد أول النائحين؛الطاغية يابني يُحرِّك الحاشية بخيوط كالعرائس؛ والحاشية تسند الطاغية بقضبان من حديد.
فجأة أقبلت صوبهما سرية من الجند؛جذب انتباهم زيّه الغريب؛تكالبوا عليه،وضعوا وجهه إلى الأرض،وراحوا يفتشونه بعنف.
استيقظ على ضجيج صوت(موتور)الغسالة يؤز سمعه،وزوجته تبحث تحت الوسادةوفي جيوبه؛عن المحفظة لشراء مسحوق الغسيل.
سيد طه.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق